منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تفتح مؤسسة التعاون أبواب الجامعات الخاصة أمام الشباب الفلسطيني في لبنان عبر برنامج التعليم الجامعي، لتمنحهم فرصة بناء مستقبل واعد وتمكين مستدام ينعكس أثره على مجتمعاتهم بأكملها.
ليس مجرد مقعد دراسي، بل رافعة حياة: مئات الطلاب حصلوا على منح وقروض جامعية مكّنتهم من رسم مسارات مختلفة، فمنهم من تابع دراساته العليا، ومنهم من دخل سوق العمل محليًا أو عالميًا، وآخرون أسّسوا مشاريعهم الخاصة وأصبحوا قصص نجاح تُلهم غيرهم.
في هذا البرنامج، نرافق الطالب من اليوم الأول في الجامعة حتى لحظة التخرّج... لكن ماذا بعد تلك اللحظة؟
من مخيم البص إلى لندن: أسعد بقاعي، تميّز وشهادة دكتوراة
تخرّج أسعد بقاعي في العام 2022 من جامعة بيروت العربية حاملاً شهادة في الهندسة المدنيّة وكان الأول على دفعته. المنحة الجامعية تلتها منحة أخرى لدراسة الدكتوراة في جامعة بريستول البريطانية المدرجة ضمن قائمة أفضل خمسين جامعة في العالم في اختصاص الهندسة المدنية. اليوم، يركّز في أطروحته على إطالة عمر البناء عن طريق تحسين المواد المستخدمة بحيث يمكن أن يصل العمر الافتراضي للبناء إلى أكثر من 200 عام. أسعد كان أحد الطلاب المشاركين في حلقة TEDx في لندن متحدثا عن تجربته كطالب لاجىء في التعليم والفرص المتاحة.
ما هي الخطوة الأولى التي يجب على الطالب التركيز عليها عند اختيار اختصاصه الجامعي؟
أولاً، أن يدرك القطاعات المسموح له بالعمل بها في لبنان.
ثانياً، أن يتابع توجهات العرض والطلب في سوق العمل وأكثر الاختصاصات المطلوبة.
ثالثاً، أن يعرف موهبته وأن يكون مستعدًا لوضع الجهد المطلوب للتميّز في دراسته.
الهندسة المدنية سوق مشبعة بالخريجين، هل الأفضل الابتعاد عن اختيار اختصاصات يرتفع أعداد خريجيها؟
لم يدفعني الواقع إلى تغيير اختياري لسببين، أولاً، إنه اختصاص أحبه جدًا. وثانياً، عندما عزمت على دراسة الهندسة المدنية قررت أن أبذل جهدي للتميّز فاضمن بذلك وجودي في سوق العمل وهذا ما حصل. فلقد بدأت بالعمل قبل تخرجي بأشهر. لذلك أؤكد أنه مهما كان طلب سوق العمل محدود على الاختصاص يمكننا ان نجد الفرص إذا ما بذلنا المجهود الكافي وتميزنا بعملنا ومهاراتنا.
ما هو السر في جذب الفرص؟
كان أقصى حلمي عند دخولي الجامعة أن أتخرّج، وأشتغل، وأعيش. لم أحلم مرة بالتعلّم في جامعات خارج لبنان. لكن الامر الوحيد الذي يمكن أن يغيّر مسار الطالب هو:
أولاً، أن يتعب على حاله، ويبذل جهدًا للتميز
ثانياً، أن يتواصل مع الناس ويبني شبكة علاقات تساعده في تزكيته في سوق العمل
ثالثاً، أن يسوّق نفسه بالشكل الجيد
رابعاً، أن يحمل شغفاً باختصاصه لأن الفرص ستظهر أمامه مع مرور الوقت
ما هي التحديات التي يجب على الطالب الجامعي التنبّه إليها؟
الذهنية: أي أن يثق الطالب بقدرته على حل المشكلات التي قد تواجهه بإيجابية وبأن يكون مرنًا كفاية للتعامل معها، وأيضصا أن يبتعد عن ذهنية أن هناك مؤامرة تحاك ضده.
اللغة الإنكليزية: أنا من الطلاب الذين خسروا منحة من الجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الهندسة المدنيّة بسبب عدم الحصول على المعدل المطلوب باللغة الإنكليزية. لم أتقبّل الأمر بسهولة لكنه كان حافزًا أمامي لدراسة اللغة وإتقانها. فقررت أثناء دراستي الجامعية، التسجيل في صفوف خاصة باللغة الإنكليزية، ولجأت إلى حصص تدريس أونلاين أثناء انتشار وباء كورونا، كما اشتركت بمواقع مخصّصة للتحدّث باللغة الإنكليزية، ومن بعدها بدأت أتواصل مع طلاب أجانب منهم من أذربيجان، ومن البرازيل ومن دول أخرى، يبحثون مثلي عن تقوية لغتهم. بالنسبة لي، وجدت أن الطريق الأسرع لإجادة اللغة هي بالتحدث المستمر. فكنت أتحدث مع طلاب من حول العالم ما لا يقل عن عشر ساعات في الأسبوع وكان العديد من زملائي في السكن الجامعي ينظرون اليّ باستغراب واستخفاف أحيانًا. المهم أنني نجحت في امتحانات اللغة الإنكليزية، واستطعت هذه المرة الانتساب إلى جامعة بريستول في بريطانيا، وأصبحت اللغة الإنكليزية هي وسيلة التواصل الوحيدة لي في الجامعة وفي الحياة هناك.
الثقة بالنفس: لا تأتي الفرص لمن لا يبحث عنها، أو لمن لا يبذل الوقت والمجهود والتصميم الكافي. فنقطة الانطلاق هي ثقة الطالب بقدراته وموهبته ومن ثم تنمية مهارات جديدة وهذا أمر لا يتوقف.
هل حقًا الحصول على منحة أمر صعب، ويعتمد على الحظ؟
أكبر خطأ يقع فيه الطالب هو الانتظار للسنة الأخيرة قبل التخرّج للبحث عن منحة. فهناك مواصفات كثيرة مطلوبة ويجب العمل عليها منذ السنة الجامعية الأولى أو الثانية كي يضمن عند وصوله للسنة الأخيرة معدل علامات معين، وخبرة محددة، أو حتى تطوعًا في المجتمع.
هندسة الاتصالات والكومبيوتر: طلب قوي من سوق العمل وفرص توظيف عالية
تخرّج "أحمد السيد" من جامعة رفيق الحريري الدولية في العام 2023 بشهادة في هندسة الاتصالات والكومبيوتر. دخل سوق العمل على الفور وعمل كمتخصص تقني في شركة هندسة في بيروت لينقل من بعدها للعمل عن بُعد في شركة تعمل في كل من الامارات والسعودية. حوّل أحمد غرفة نومه إلى مكتب، يعطيه العمل عن بُعد القدرة على اكتساب خبرة في العمل مع شركات كبرى متعددة الجنسيات والقدرة على التطور، "فنطاق عملي، يحتم عليّ مواكبة ومتابعة كل جديد كي أضمن استمرارية عملي ولاسيما ان التحديثات التقنية سريعة جدًا."
هل الحصول على وظيفة بعد التخرج مسار طويل وغير مضمون؟
عندما اقتربت من التخرّج شعرت بالكثير من القلق والخوف أيضًا من الوقوع في فخ البطالة وعدم الحصول على فرصة عمل، لكنني اختبرت العكس تمامًا! يرتبط دخول سوق العمل بطبيعة الاختصاص والطلب عليه من جهة وبالجهد الشخصي الذي يبذله الطالب لرفع مهاراته ومعارفه من جهة ثانية. يضاف إلى ذلك بالطبع سمعة الجامعة.
اقتناص الفرص وبناء المهارات: التعلّم لا يتوقف عند دخول سوق العمل
تخرجت سارة كساب من الجامعة الأميركية في بيروت في العام 2017 حاملة بكالوريوس في علم الاحياء، ودبلوم في التعليم. تعمل حاليًا في معهد الصحة العالمية التابع للجامعة الأميركية في بيروت.
بماذا تنصحين الطلاب الذين يستعدون للتخرّج ودخول سوق العمل؟
ابحثوا، لا تستسلموا، واغتنموا الفرص، وهذا امر يحتاج الى مثابرة ومتابعة. أنا اعتمدت أيضًا على بناء علاقات مهنية في حقل عملي تساعدني في اثبات وجودي، وفي الحصول على فرص عمل. فأصبحت أتلقى الدعوات للمشاركة في فاعليات، أو ورش عمل وتدريب. وشاركت أيضًا في برامج زمالة وكل هذا استثمار في معارف ساعدتني في بناء مهارات جديدة، وفي إثبات وجودي في حقل عملي، بما يساعد في الحصول على فرص عمل.
المرونة مطلوبة لحين الفوز بالوظيفة المناسبة
تخرّجت آية عنيس في العام 2020 من الجامعة الأميركية في بيروت حاملة شهادة في التغذية. لم تكن عملية البحث عن وظيفة بالأمر اليسير، فقررت التطوع في أكثر من جمعية أهلية لحين الحصول على فرصة عمل. اليوم، تعمل آية في عيادات الاونروا وتحمل الكثير من الحماسة لعملها.
هل دخول جامعة خاصة أمرًا صعبًا حقاً؟
باعتباري تلميذة في مدارس الاونروا، شكّل دخول الجامعة الأميركية في بيروت نقلة نوعيّة في حياتي. لم أكن في البداية على ثقة من قدرتي على اجتياز الاختبارات التمهيدية، لكنّ الامر الأساسي الذي يجب على كل طالب أن يعرفه هو أن امتحانات الدخول ليست تعجيزية إنما تعكس مستوى الطالب الأكاديمي وهي تتطلب بالتأكيد درسًا ومجهودًا. ونحن كطلاب مدارس أونروا علينا بذل مجهود إضافي في اللغة الإنكليزية. باختصار، أقول لكم الامر ليس صعبًا، بل يحتاج مجهودًا فلا تترددوا.
كيف يستطيع الطالب أن يعزّز فرصه بدخول سوق العمل؟
أنصح الطلاب خلال سنوات دراستهم الجامعية بالاستفادة من الفرص التي قد تظهر أمامهم لناحية دورات تدريبة، أو دورات تنمية المهارات الأساسيّة، وكتابة السيرة الذاتية، أو التدريب على سوق العمل. المهم التيقظ الدائم لتنمية مهاراتهم لأنها ستدعم فرصهم لاحقًا بدخول سوق العمل.
بفضل دعم المانحين، يستمر برنامج التعليم الجامعي في مؤسسة التعاون في فتح أبواب المستقبل أمام الشباب الفلسطيني في لبنان وهو يُنفذ بالشراكة مع صندوق الطلاب الفلسطينيين وجمعية توحيد شبيبة لبنان. قصصهم تبث الفرح في قلوبنا وتعكس حجم الأثر الذي نتركه في حياتهم!
