الثوب الفلسطيني: تطريز عابر للحدود يحكي قصة فلسطين

القصة ليست فقط قصة ثوب تراثي تقليدي، فكل مكوّن للهوية تحوّل إلى فعل مقاومة وصمود عند الشعب الفلسطيني. إنما من الواضح أن الثوب الفلسطيني والتطريز الذي يزيّنه يحمل ديناميكية ملحوظة ساعدته بأن يكون عابراً للزمن. فهل نجح حقاً في أن يكون جامع الأضداد، من رمز لشعب سلبت أرضه، إلى موضة، وشياكة، وإعلان موقف؟ 

بداية، ساعدت جمالية التطريز الذي تحمله الاثواب الفلسطينية، وتعدّدها، وتنوّع ألوانها على تميّز هذا الفن وتحوّله إلى بصمة دامغة للتراث الفلسطيني. ولكن العامل الأساسي الذي أبرز هذه الجمالية للعالم جيلاً بعد جيل هو تمسّك المرأة الفلسطينية بارتداء ثوبها، وحياكته، وتطريزه. وكأن الثوب أصبح رديفاً للأرض التي اقتلعن منها. فقلما تجد خزانة امرأة فلسطينية خالية من ثوب تقليدي. 


لكل ثوب حكاية وموقع على خارطة فلسطين

وهناك أيضاً العمل الكبير الذي قامت به الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية للحفاظ على هذا التراث، وتوثيقه بشتى الطرق. فالثوب جزء أساسي من قصة المجتمع الفلسطيني في مختلف أنحاء فلسطين من شمالها إلى جنوبها. فالحديث عن الثوب التقليدي لمنطقة معينة يستتبع الحديث عن بنية المجتمع في هذه المنطقة بطبقاته المتعددة، والطبيعة وما يميزها من أشجار وزهور، وألوانها المختلفة، وما إلى هنالك. فاشتهرت مثلا منطقة يافا بتطريز زهرتي البرتقال والليمون اللتين تشتهر يافا بزراعتهما، في حين تميزت أثواب الخليل باستخدام كروم العنب، ومناطق شمال فلسطين باستخدام زخارف تمثل شجرة الزيتون. 

وكذلك، اختلفت ألوان التطريز والقماش المستخدم بين منطقة وأخرى، فيميل ثوب رام الله ويافا وبيت لحم إلى اللون الأحمر الارجواني، في حين أن أثواب مدينتي غزة وبيسان تميل إلى اللون البنفسجي والأزرق، أما أثواب القدس فقد اشتهرت باستخدام الألوان الداكنة كاللون الأحمر الداكن.  

ولقد تمّت إضافة فن التطريز في فلسطين: الممارسات والمهارات والعادات على لائحة التراث الثقافي غير المادي لليونيسكو في العام 2021.  



توسّع التطريز 

تبقى طواعية هذا الفن بيد المصممين عاملاً أساسياً على صموده اليوم. لا بل على تألقه! فتجاوزت أشكال وأنماط التطريز القماش، لنجدها اليوم مستخدمة في منتجات متعددة من لوحات وقطع فنية، وحقائب اليد، إلى القمصان القطنية، والإكسسوارات، والفناجين، وغيرها. ونتوقع أن يتوسّع هذا الفن أكثر في المستقبل مع الفنانين الشباب.  

ونذكر هنا العمل اللافت الذي تقوم به جمعية "إنعاش" – إحدى المؤسسات الشريكة للتعاون- لناحية تقديم منتجات جديدة ذات جودة عالية مستوحاة من التطريز الفلسطيني وإدخال روح العصر إليها بأشكال وموديلات رائعة وبالاستعانة في عدد من المرات بمصممين عالميين! تعرّف على مجموعة العبايات والأثواب لدى إنعاش، ومجموعة مبتكرة من حقائب اليد.  

وهناك العديد من المبادرات الأخرى القائمة على هذا الفن من فلسطين ولبنان ودول من حول العالم. حيث ظهرت في العقد الأخير العديد من العلامات التجارية الفلسطينية المتخصصة بالأزياء سواء في فلسطين أو حول العالم. والملاحظ انها تقدّم أزياء ذات لمسة معاصرة تخاطب أذواق الناس مع الحفاظ على روحية التطريز تحديداً.  




دخول عروض الأزياء 

استعان مصممون دوليون وعرب معروفون بهذا الفن في بعض تصاميمهم. نذكر هنا المصمم المصري محمد نور الذي صمّم مجموعة خاصة مستوحاة من التراث الفلسطيني، ودار باليسنياغا الذي قدّم الكوفية الفلسطينية في عرضه في العام 2007. 



وظهرت شخصيات معروفة أيضاً بالثوب الفلسطيني أو بلباس مستوحى من التراث الفلسطيني مثل عارضة الأزياء من أصل فلسطيني جيجي حديد، وفنانات عربيات مثل نسرين طافش، وعبير صبري، كما ظهرت وزوجة رئيس الوزراء الاسكوتلندي بالثوب الفلسطيني، وملكة الأردن، وغيرهن الكثيرات.      



 ومؤخراً ولاسيما في أعقاب العدوان على غزة، أصبحت تستخدم ألوان العلم الفلسطيني في التصميم أيضاً والتي عادة ما تلجأ إليها شخصيات معروفة للتعبير عن موقفها الداعم للشعب الفلسطيني ولحريته ولا ننسى رسم البطيخ الذي تحوّل مؤخراً أيضاً إلى رمز من رموز فلسطين وشعبها المتمسك بأرضه. ولقد كان بارزاً ظهور عارضتي الأزياء العالمتين جيجي وبيلا حديد في أزياء تعبّر عن جذورهما الفلسطينية وهو أمر تكرّر النجمتان التذكير به في أكثر من مناسبة.، وأخرها ظهور بيلا حديد في ثوب مستوحى من الكوفية الفلسطينية في مهرجان كان للعام 2024 والذي سلب الأضواء ووصفته العديد من المواقع الاعلامية بمثابة إعلان موقف.




وكما قال المفكر الفلسطيني المعروف إدوارد سعيد، "إن الثقافة شكل من أشكال المقاومة"، يثبت التطريز الفلسطيني بأنه أحد أشكال المقاومة والحفاظ على الهوية والتأسيس لذاكرة عابرة للحدود تربط التراث الثقافي الفلسطيني وأنماط وأشكال التطريز والمنسوجات بمصدرها وبالارض التي انطلق منه .      

 

المنشورات ذات الصلة

عندما يتكلم البطيخ: رمز فلسطيني عابر للحدود

كم مرة وجدت نفسك عند الحديث عن فلسطين أمام سلسلة من الصور التي قد تبدو محايدة للوهلة الأولى لكنها تحمل رمزية فلسطينية بامتياز مثل الكوفية، وشجرة الزيتون، والتطريز، والمفتاح؟ هناك أيضًا شعار له رمزيّة كبيرة وقصة حقيقية وراءه. إنه البطي...

  • التعاون

  • ۱۷ أيلول ۲۰۲٥

من الجامعة إلى سوق العمل: خريجو التعاون يشاركون تجاربهم ونصائحهم

نفتح مساحة يشارك فيها الخريجون تجاربهم ويقدّمون نصائح عمليّة للطلاب المقبلين على التخرّج ودخول سوق العمل. لأن أفضل النصائح تأتي من الذين كانوا قبل سنوات قليلة فقط على نفس مقاعد الدراس...

  • التعاون

  • ۱۰ أيلول ۲۰۲٥

شجرة الزيتون: جذور راسخة في تاريخ وهوية فلسطين

هي أكثر من مجرد شجرة، إنها رمز، ومصدر رزق، وشاهد حيّ على التاري...

  • التعاون

  • ۲۸ آب ۲۰۲٥

التطريز الفلسطيني: خيطٌ يروي حكاية وطن

كأنّ الخيط والإبرة تحالفا معاً ليحيكا ويحفظا قصة شعب بأكمله. ماذا تعرف عن فن التطريز الفلسطيني...

  • التعاون

  • ۲٦ أيار ۲۰۲٥