عندما تتحوّل حياة اللاجىء الفلسطيني في لبنان إلى حالة طارئة
يغلف البرد والصقيع مخيم الجليل للاجئين الفلسطينيين في مدينة بعلبك، تماماً كما يغلف وجوه قاطنيه. تعمل النسبة الأكبر من سكان مخيم الجليل في أعمال البناء، أو الزراعة، أو النقل، وهذه بمعظمها أعمال يومية، أو شهرية تُعتبر من أول القطاعات المتضررة من الأزمة الاقتصادية المستفحلة في لبنان. فما كان بالأمس متوافراً ولو بحده الأدنى من غذاء ودواء وتدفئة أصبح مستحيلاً أمام مئات العائلات التي لا معيل لها ولا معين. فلقد وصل الوضع إلى عدم القدرة التامة على شراء وقود للتدفئة في ليالي الشتاء الباردة، وإزاء هذا الواقع يصبح التدخل بصيص أمل ينعش الروح. وهذا ما لمسناه خلال جولتنا على العائلات المستفيدة من توزيعات قسائم لشراء مازوت للتدفئة ضمن برنامج الطوارىء والمساعدات الإنسانية.
الوضع سيء للغاية، تقول هادية إحدى سكان مخيم الجليل وهي من الأسر التي تعتبر مكتومة القيد ولا تستفيد من تقديمات الأونروا، "لا ندري متى يكون لدينا طعام كافٍ لنأكل أو مازوت للتدفئة. نعيش ثمانية أشخاص في غرفة واحدة، وابني الذي يبلغ 23 عاماً هو المعيل الوحيد لنا لكنّ مدخوله لا يتجاوز خمسين دولاراً في الشهر. وفي مواجهة الأيام الصعبة كالتي تمر علينا، نحن مضطرون لتحديد الأولويات والتقشف إلى أقصى حد في كل أمور الحياة. فاستغنينا عن اللحوم والفواكه وأصبح طعامنا يعتمد أكثر على البقوليات، وحتى التدفئة في فصل الشتاء أصبحت مقننّة بشكل كبير. هذه ليست أياماً طارئة، بل حياة طارئة نعيشها."
وتتابع هادية قائلة، "ستساعدنا قسيمة التدفئة التي قدمتها لنا التعاون على حصولنا على التدفئة لحوالي أسبوعين تقريباً شرط أن نعتمد التقنين القاسي. ومع ذلك نشعر بامتنان عميق لكون هناك من يفكر بنا، ويعمل من أجل مساندتنا".
تفاصيل الحياة باردة
وعند الخروج من منزل هادية تمر برواق ضيق ومعتم من بعدها ترى الضوء وتنطلق في أزقة المخيم، هناك التقينا بهند التي كانت بمنزلها وحيدة بانتظار عودة أبنائها من المدرسة. عيونها ذابلة وحزينة لكنها تجاهد في رسم ابتسامة عند الحديث معها. تنظر بأسى إلى بيتها وتقول، "تقتصر التدفئة في منزلنا على ساعة واحدة في اليوم حتى في وقت العواصف الثلجية. لا أستطيع أن أصف الصقيع الذي أشعر به، ولا الوجع الذي أعاني منه نتيجة الروماتيزم الذي يتضاعف في أيام البرد، أما أطفالي فلا تسألوا! كل تفصيل في حياتنا أصبح بارداً، وبائساً، وصعباً."
تعيش هند وعائلتها في منزل صغير مستأجر لكن زوجها لا يعمل حالياً نتيجة الازمة الاقتصادية في لبنان وتراجع الأعمال وورش البناء، وهو مجال عمله. يضاعف من أزمة هذه العائلة أن الأب وأحد أبنائه يعانيان من الصرع، والابنة الوحيدة تعاني من مرض في أذنها قد يهدّد قدرتها على السمع. تقول هند، "يحتاج ابني لأن يراجع الطبيب كل ثلاثة أشهر، لكنّنا لم نزره منذ سنة ونصف. فحتى المراجعة والأدوية لم تعد في متناول اليد. أما ابنتي أخشى عليها كثيراً ويجب أن أتابع تطور حالتها، وأصليّ كل يوم ألا تفقد سمعها. الحياة قاسية علينا جداً."
تخبرنا هند عن موهبة ابنتها التي تبلغ 11 من عمرها في الرسم، وعن حلمها بأن تتمكن من تسجيلها في معهد لتعلّم أصول الرسم. حينها فقط تبدو هند أكثر فرحاً وتلمع عيناها ببريق واضح، لكنها سرعان ما تستدرك وهي تبعد هذه الثواني من الأمل والفرح، وتقول، "تحضير وجبة أكل مع اللحم والدجاج أصبح أمراً صعباً جداً، وهذا أمر يشعرني بالضعف أمام أولادي. وكذلك الحال بالنسبة للتدفئة، فلقد حصلنا على قسيمة لشراء وقود للتدفئة في الوقت المناسب إذ لم يكن لدينا ليتر واحد من المازوت، وما زال الشتاء في منتصفه."
من الواضح أن هند تبذل مجهوداً كبيراً لتجاوز هذه الأيام الصعبة، والحفاظ على روح معنوية جيدة لأسرتها بالرغم من كل الظروف. ويبدو أن موهبتها في كتابة الشعر تساعدها على تفريغ مشاعرها من الارق، والتعب، والحزن، وهي كثيرة. وبسرور اسمعتنا بعض المقاطع مما كتبت:
لا تسلني من أنا
أنا من لم يسّرني زماني، ولا ذقت الهنا ولا نلت الأماني
أنا من لم ترحمني الأيام، ولم يرحمني الدهر ورماني
انا من ذقت لوعة القدر ومن الألم ما كفاني...
وبعدما مسحت هند دموعها أعادت دفتر أشعارها إلى مكانه، وأكملت قائلة سأظل متمسكة بالأمل بأن أياماً أفضل في طريقها إلينا.
ما باليد حيلة
من هناك توجهنا إلى منزل خيرية، المعيلة الوحيدة لأسرتها المؤلفة من ثلاث بنات، والمستفيدة من توزيع قسائم التدفئة على العائلات الأكثر فقراً في مخيم الجليل. عند باب الدار وقفة خيرية تستقبلنا بابتسامة لم تفارق وجهها طيلة زيارتنا. أنا المعيلة الوحيدة لأسرتي، تقول، "لكنّ مدخولي محدود جداً وبالكاد يغطي حاجاتنا الأساسية وكلفة إيجار المنزل الذي نعيش فيه. نعتمد بالتدفئة على ما تقدّمه لنا الجمعيات فلا قدرة لي على شراء المازوت أبداً. وعند توفره فإننا نلجأ للتدفئة مدة ساعة في المساء ليس أكثر من بعدها نفضّل أن نخلد للنوم باكراً. فوقت النوم هو الوحيد الذي ننفصل فيه عن تفاصيل حياتنا. نعيش كل يوم بما يحمله إلينا فلا إمكانية للتخطيط لليوم التالي ولا حتى في ما يتعلق بالأكل. فإذا توافر الأكل نضع مائدة الطعام وإن لم يتوافر نكتفي بأقل الممكن، وفي معظم الأحيان نكتفي بالزعتر."
تتابع خيرية وهي جالسة إلى جانب بناتها في الغرفة الوحيدة في المنزل، وتقول، "تمرّ أيام عديدة تذهب بناتي إلى المدرسة من دون أكل وما بيدي حيلة، فالراتب يتقلص أمام أعباء المعيشة التي تتزايد. لذلك أقول لكم، إن حياتنا تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ومع ذلك عندما نجلس معاً في المساء نجد أننا، ومن دون تخطيط مسبق، نسرد قصصاً أو حكايات تبعثنا على الضحك ربما هو فعل تخفيف من مرارة الواقع لكنه يساعدنا من دون شك على البدء بيوم جديد."
استفادت أكثر من 480 أسرة من توزيع قسائم التدفئة بقيمة 50 دولاراً للقسيمة الواحدة بدعم من المؤسسة الشقيقة في بريطانيا، على أمل أن تظل أيامهم دافئة طوال أيام السنة.
لن نحكي هنا عن الثوب الفلسطيني فحسب، بل عن قدرته على التحوّل إلى رمز، وموضة، وهوية. إنها قدرة التصميم والتطريز في إضفاء حياة على القماش، والتعبير عن موقف، وفي سرد الحكاية الفلسطيني...
۲۲ أيار ۲۰۲٤
لدى أمينة الكثير لتحتفل به الآن! مع استلامها الكرسي المتحرك، تستعد لحياة جديدة بعدما قضت ست سنوات داخل أبواب منزله...
۱٦ أيار ۲۰۲٤
حوّل الكثير من الشباب الفلسطيني ضيق أحوالهم وقساوة واقعهم كمنصة للانطلاق إلى عالم على اتساع طموحهم بالرغم من كثرة التحديات التي تقف أمامه...
۱۳ شباط ۲۰۲٤
مع تدهور الأحوال المعيشية في لبنان تزداد التحديات التي تواجه المسنين ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية التي يعاني سكانها من فقر شديد. فانطلق مشروع توفير الحماية والخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات البداوي ونهر البارد والجلي...
۸ كانون الثاني ۲۰۲٤