تطوير مناهج وطرق تعلّم فعّالة في مرحلة الطفولة المبكّرة وصولاً لتعليم نوعي

للتعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة خصوصيته النابعة من خصوصية نمو الطفل وتطور مهاراته، لذلك تعمل التعاون من خلال برنامج دعم التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة على أكثر من صعيد لضمان تقديم تعليم نوعي. فكانت آخر الخطوات المنفذة، عملية تقييم شاملة للكتب المعتمدة في الروضات المنضوية ضمن البرنامج. يذكر أن البرنامج الذي تدعمه منظمة اليونيسف منذ عشر سنوات، يجمع أربعاً وخمسين روضة أطفال تابعة لعشرين مؤسسة من مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان، ويصل إلى الآلاف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث وست سنوات. 




تم اللجوء إلى تقييم الكتب المعتمدة في هذه الروضات كخطوة أساسيّة نحو تطوير عملية التعلّم. فالكتاب المدرسيّ هو "مجرّد أداة تعليميّة"، لكن ما يحدّد فعاليّة التّعليم هي الطّرق والخطوات التّربويّة المتّبعة والتقنيات والأساليب المعتمدة، بما في ذلك تصميم الأنشطة وتنظيمها بشكلٍ يضمن تفاعل الأطفال وانخراطهم في العمليّة التّعلّميّة. فالكتاب هو استرشادي بالدرجة الأولى كما تؤكد مستشارة برنامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة في مؤسسة التعاون "هنا الخليل"، "حيث يجب عدم استخدام الكتاب المدرسي في مرحلة الروضة الأولى بالتحديد قبل تحضير الأطفال على المفاهيم والمهارات والاستعدادات اللازمة للقراءة والكتابة والرياضيات." 


ولكن انطلاقاً من اعتماد الروضات على مناهج مختلفة، وجدت اليونيسف والتعاون الحاجة إلى إجراء تقييم يساعد على رسم رؤية مستقبلية كفيلة بتحسين نوعية التعليم، فما هي المحاور التي استهدفها التقييم؟



تقييم الكتب المعتمدة في رياض الأطفال


يُعتبر تقييم الكتب المخصّصة لمرحلة الرّوضة خطوةً ضروريّة لتحسين جودة التّعليم، إذ يساعد على:


ضمان توافق المحتوى مع احتياجات الأطفال النّمائيّة؛

التّأكّد من تنوّع الأنشطة الموجودة في الكتب ومدى تغطيتها لجميع الكفايات المطلوبة في المنهج على المستويات اللّغويّة، والمعرفيّة، والحركيّة، والاجتماعيّة، والعاطفيّة، والفنّيّة؛

ضمان أن تكون الأنشطة متدرّجة، ومشوّقة، ومصمَّمة بطريقةٍ تحفّز التّفكير والإبداع لدى الأطفال؛

دعم المربّين بمحتوًى يُسهّلُ عليهم تطبيق استراتيجيّاتٍ تعليميّةٍ فعّالةٍ ومبتكرة.




أنجز عملية التقييم المعهد اللبناني لتدريب المربين في الجامعة اليسوعية، وأرفقه بسلسلة من الاقتراحات والتوصيات. وتقول "ريان كنعان"، المشرفة على التقييم، إن الأساس في تطوير عمل الروضات هو المقاربة المتمحورة حول الطفل لذا يجب التركيز على:


تكييف البرامج مع احتياجات الأطفال، مع تحقيق توازنٍ بين اللّعب والتّعلّم والاكتشاف؛ 

تدريب المربّين على كيفيّة تخطيط البرمجة التّعليميّة وتنظيم الأنشطة اليوميّة بشكلٍ يضمن تغطية الجوانب كافّة بحسب الكفايات والأهداف التّربويّة المعتمدة في المناهج؛

تدريب المربّين على اعتماد أساليب التّعليم التّفاعلي والنّشط عند إحياء الأنشطة لضمان توافر بيئة تعليميّة غنيّة، ومحفّزة تثير فضول الأطفال وتشجّعهم على التّعلّم؛

تعزيز الموارد (كالألعاب التّفاعليّة، والمواد الحسّيّة، والكتب المصوَّرة، والبطاقات التّعليميّة، ...)؛

تقييم الممارسات بشكلٍ دوري لتعديلها وتحسينها؛

إشراك الأهل في العمليّة التّعليميّة.





تقييم تعليم اللغة الإنكليزية وقدرات المعلمين  


تم التعاقد مع شركة pedagogyلتقييم مستوى الكفاءة في اللغة الإنكليزية لـ 153 مربية أطفال في الروضات المنضوية ضمن برنامج الطفولة المبكّرة، وذلك من خلال اختبار تم تنظيمه لمعرفة مستوى القواعد والمفردات والكتابة، بهدف ضمان تعليم  اللغة الانكليزية بطريقة صحيحة. 

اطلع الفريق المختص على خطط التحضير للمربيات، وقام بزيارات صفيّة  في ست روضات بهدف متابعة كفاءات التواصل باللغة الإنكليزية أثناء عملية التدريس، ومتابعة البيئة الصفية، وطرق التدريس، والإدارة الصفيّة، وتفاعل الأطفال، وطرق التقييم والتغذية الراجعة. كما تم الاطلاع على المصادر التعليمية للغة الإنكليزية المعتمدة لدى أربع مؤسسات، وإجراء مقابلات مع مجموعة من الإداريين والمنسقين ومع بعض أهالي الأطفال. 


ولقد خلص التدّخل إلى مجموعة من التوصيات حول سبل التدخل من أجل تطوير قدرات المربيات وأساليب التعليم منها: 


دعم المربيات في اللغة الإنكليزية لتعزيز لغتهن بالتواصل الشفهي، والكتابي، ولتعزيز استخدام المفردات. 

حاجة الصفوف إلى قصص إنكليزية. 

الحاجة لتطوير عملية التوظيف للمربيات وفقاً لمعايير محددة بحيث يمتلكن خلفية في تعليم اللغة الإنكليزية، ولديهن المعرفة والمهارات اللازمة والإستراتيجيات التربوية لتعليم هذه اللغة. 

على مستوى الكتب والمصادر التعليمية والموارد، يجب تزويد المعلمين بالموارد المثلى مثل كتب مناسبة للعمر ومستوى الأطفال، والمواد الأبجدية والصوتية، وبطاقات الكلمات البصرية، والبطاقات التعليمية، ومستلزمات الأنشطة العملية، والألعاب التعليمية، والألغاز، إلخ. 





وتقول "هدى جلّول" المشرفة على التقييم من مؤسسة Pedagogy، "إن الخطوات الأساسية للاستفادة من التقييم يجب أن تتضمن: تطوير أدوات تقييم فعّالة جديدة وأكثر دقة، تدريب المعلمين على استخدام الكتب بشكل فعّال، تطوير سياسات التعليم بحيث يمكن استخدام نتائج التقييم لتطوير سياسات تعليمية أفضل لمرحلة ما قبل المدرسي. وأخيراً، تحسين مخرجات التعليم من خلال استخدام نتائج التقييم لقياس مدى تحسّن مخرجات التعليم."


أما عن المعايير والأسس التي يجب التركيز عليها لتطوير التعليم ما قبل المدرسي لمتعلمي اللغة الانكليزية كلغة ثانية، فتقول، "أولاً، الملاءمة العمرية للتطور المعرفي ومستوى النمو لدى الأطفال ومراعاة فضولهم وحرصهم على الاستكشاف وقصر فترات انتباههم، استخدام جمل بسيطة والتركيز على المفردات عالية التردد (على سبيل المثال، "the"، "a"، "is"، "go"، "come). ثانياً، التركيز على المهارات الأساسية مثل الصوتيات (phonics)  من خلال تقديم التوافقات الأساسية بين الحرف والصوت (على سبيل المثال، "b" يصدر صوت /b/). وإدخال قواعد الأصوات البسيطة تدريجياً مثل مزيج الحروف الساكنة (على سبيل المثال، "bl"، "st") وأصوات الحروف المتحركة القصيرة. وتقديم مجموعة واسعة من الكلمات المتعلقة بالموضوعات المألوفة (العائلة، الحيوانات، الطعام، الألوان، الأشكال، الأرقام). وأيضاً استخدام التكرار لتعزيز الحفظ والاحتفاظ بالمعلومات. ثالثاً، العناصر التفاعلية وهي متعددة مثل التكرار لتحسين الحفظ وبناء الطلاقة، والأغاني والقوافي من خلال استخدام الألحان الجذابة لجعل التعلم ممتعاً وجذاباً، والأنشطة التفاعلية مثل التلوين والمطابقة والرسم لتعزيز المفردات والمهارات الحركية الدقيقة والتمييز البصري والتعبير الإبداعي. رابعاً، الحساسية الثقافية والتي تعتمد على التمثيل المتنوع والشمولية. فالتمثيل يعتمد على تضمين شخصيات من خلفيات عرقية وثقافية متنوعة وتقديم قصص تعكس تنوع العالم. والشمولية التي تجنّب الصور النمطية. خامساً، لغة واضحة وموجزة تعتمد على بنية جملة بسيطة ثم فقرات قصيرة ثم مفردات دقيقة. سادساً، صور جذابة مثل الرسوم التوضيحية تكون ملوّنة وحيوية وذات صلة بالنص، تساعد الأطفال على تصور القصة واستيعاب المفاهيم. سابعاً، دعم المعلم من خلال خطط الدروس، وتزويد المعلمين بأنشطة وإرشادات منظمة." 





توفير تعليم نوعي للأطفال 


يجهد برنامج دعم التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة في كافة محاور عمله لتوفير تعليم نوعي للأطفال سواء في المخيّمات أو في لبنان بشكلٍ عام، انطلاقاً من مقاربة أن الطفل هو الأساس، ويحتاج هذا الأمر بحسب ريان كنعان، إلى:


تصميم مناهج شاملة ومتكاملة تُراعي احتياجات الأطفال المختلفة وتنمّي مهاراتهم المتنوّعة؛

توفير بيئة تعليميّة محفّزة وآمنة تُشجّع على الاستكشاف والإبداع ومواجهة التّحدّيات؛

تأهيل المربّين وتدريبهم باستمرار على أحدث الأساليب التّربويّة؛

دمج التّكنولوجيا والموارد الحديثة لدعم العمليّة التعليميّة؛

تعزيز التّعاون بين المدرسة والأهل لبناء شراكةٍ تربويّة فعّالة؛

التّركيز على التّقييم المستمرّ لتحسين الأداء وتطوير الممارسات التّعليميّة.






ماذا تعرف عن برنامج دعم التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة؟


أطلقت التعاون هذا البرنامج منتصف التسعينيات، لكن النقلة النوعيّة كانت في العام 2016 مع حصوله على دعم من منظمة اليونيسف. فتوسّع نطاق العمل، وطال عدداً أكبر من رياض الأطفال، وبدأ برسم خطط تدخل أكثر تنوعاً وشمولية. وانطلاقاً من خبرة التعاون في هذا المجال، تم تعزيز التدخلات المتعلقة بتطوير البيئة التعلمية (تأهيل وترميم الروضات والملاعب)، وتنمية الموارد البشرية (تدريب المربيات والمشرفات العاملات في الروضات)، وتوسيع الموارد التربوية (توفير الألعاب والمواد التعلمية التفاعلية)، وتأهيل روضات دامجة (استيعاب الأطفال ذوي الإعاقة والصعوبات التعلّمية). وبالتوازي، تم التركيز على مأسسة العمل من أجل ضمان توفير خدمات تربوية نوعيّة في رياض الأطفال وهذا أمر يستدعي وجود موارد مدروسة يتم الاستناد اليها وتستفيد منها مختلف الروضات. فتم إعداد دليل الحد الادنى من معايير رياض الأطفال، كما تم إعداد دليل المربين لنشاطات التربية النفس حركيّة الذي يجري حالياً إعداد نسخة منه دامجة للأطفال ذوي الإعاقة. يُشكّل الدليلان مرجعين تستطيع الاستفادة منه جميع الجهات المعنية بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة. وتقول مستشارة برنامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكّرة في مؤسسة التعاون "هنا الخليل"، "نركز كثيراً على هذه الأدلة كونها تشكل مرجعية دائمة لدى المؤسسات لضمان تقديم تعليم نوعي في رياض الأطفال. ونقوم حالياً بالإعداد لدليل جديد حول المسرح للأطفال الذي يساعد في النمو العاطفي والاجتماعي ويزود الأطفال بالسلوكيات والقيم من خلال الدمى التي تعتبر وسيلة محببة للأطفال وتساعدهم على التعبير. لذا أجد أنه سيكون إضافة مهمة ومكمّلة لعملنا ولمقاربة البرنامج التي تعتمد على النهج الشمولي الذي يواكب نمو الأطفال بمختلف جوانبه في هذه المرحلة." 





يضم البرنامج اليوم 54 روضة أطفال تابعة لأكثر من عشرين مؤسسة مختلفة عاملة ضمن المخيمات الفلسطينية في لبنان ويصل لأكثر من أربعة الالاف طفل. وفي آواخر العام 2024، تم افتتاح نوادي للطفولة المبكّرة في عددٍ من المخيمات الفلسطينية يقوم فريق عمل البرنامج بالإشراف عليها ضمن برنامج مكاني الذي أطلقته اليونيسف. أهمية هذه النوادي يخبرنا فراس توتونجي منسق برنامج التعليم في مؤسسة التعاون، بأنها تستقطب الأطفال غير المسجلين في الروضات أساساً فتعطيهم الفرصة للاستعداد لدخول المدرسة عبر مجموعة من الانشطة المدروسة التي تحثهم على تطوير مهاراتهم الذهنية، والمعرفية، والحركية، واللغوية. 



المنشورات ذات الصلة

الثوب الفلسطيني: تطريز عابر للحدود يحكي قصة فلسطين

لن نحكي هنا عن الثوب الفلسطيني فحسب، بل عن قدرته على التحوّل إلى رمز، وموضة، وهوية. إنها قدرة التصميم والتطريز في إضفاء حياة على القماش، والتعبير عن موقف، وفي سرد الحكاية الفلسطيني...

  • التعاون

  • ۲۲ أيار ۲۰۲٤

حياة جديدة أمام المسنين في مخيم الجليل في بعلبك

لدى أمينة الكثير لتحتفل به الآن! مع استلامها الكرسي المتحرك، تستعد لحياة جديدة بعدما قضت ست سنوات داخل أبواب منزله...

  • التعاون

  • ۱٦ أيار ۲۰۲٤

خارج حدود المخيم: الشباب الفلسطيني في لبنان يبحث عن أحلامه ويبني مستقبله

حوّل الكثير من الشباب الفلسطيني ضيق أحوالهم وقساوة واقعهم كمنصة للانطلاق إلى عالم على اتساع طموحهم بالرغم من كثرة التحديات التي تقف أمامه...

  • التعاون

  • ۱۳ شباط ۲۰۲٤

الرعاية الطبية المنزلية للمسنين في مخيم البداوي

مع تدهور الأحوال المعيشية في لبنان تزداد التحديات التي تواجه المسنين ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية التي يعاني سكانها من فقر شديد. فانطلق مشروع توفير الحماية والخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات البداوي ونهر البارد والجلي...

  • التعاون

  • ۸ كانون الثاني ۲۰۲٤