الطفل الذي اختار الإيقاع للعيش في المخيم وخارجه بنفس الوقت

تتأرجح حياة محمد، 14 عاماً، ما بين إيقاع غير منظّم تمتزج فيه الضوضاء، مع أصوات الدرّاجات النارية، وأصوات الباعة المتجولين، والأطفال التي تعلو أزقة مخيم شاتيلا، وإيقاع يستند إلى نوتات موسيقية، ونغمات تطرب الاذان، وتبّث الفرح. وبين هذين الإيقاعين يجد محمد توازنه في مخيم يُعتبر من أكثر المخيمات الفلسطينية في لبنان اكتظاظاً، وترديّاً في البنى التحتية. 


الطبلة أو "الدربكة" هي الإيقاع الذي اخترته منذ ثلاث سنوات، يخبرنا محمد، عندما بدأت تعلّم الموسيقى مع فرقة الكمنجاتي في مؤسسة بيت أطفال الصمود. "دخولي إلى الصف يعادل الدخول إلى عالم جميل مليء بالألحان لا يشبه إيقاع حياتنا في المخيم". 


منذ ذلك الحين وكل يوم جمعة وأحد، يحمل محمد الدربكة ويتوجه إلى صفه. يتمرّن، ويعيد، ويتابع التمرين من دون كلل ولا ملل. والأهم تحديد هدفه وهو أن يصبح عازفاً مشهوراً يقدّم الموسيقى على أكبر المسارح، ويكون له أسلوبه الخاص بالعزف، ويكون شخصية مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي. "لما لا، للوصول إلى الأمام علينا أن نثق بقدرتنا، وبأن نتابع التمرين بتركيز، ونعزف يومياً"، يقول محمد. 



على الرغم من صغر سنه يتحدّث محمد بثقة وطلاقة، ويستطرد عند الحديث معه إلى مواضيع لا يتوانى فيها عن التحليل ويجمع فيها الفن بالسياسة والتاريخ والصحة النفسية. شخصية محبّبة بكل تأكيد! 

يشّجع محمد اليوم أخاه على دخول الموسيقى أيضاً، "لأن الحياة في المخيم تحيطها الكثير من المؤثرات السلبية، والكثير من السلوكيات والعادات السيئة، وحشرية الأطفال مثلنا قد تأخذنا إلى مسالك مهلكة بينما أجد أن الموسيقى وسيلة مثالية لإغناء فضولنا وإضفاء حماسة وايقاع جميل على حياتنا". إنه الإيقاع مجدداً!


وهنا يحدثنا محمد عما أسماه التحفيز السلبي، ويقول، "العيش في هذه الأوضاع القاسية شكّل حافزاً لي كي أعمل بجهد، وأثابر على شق طريقي إلى العالمية." 


من يدري؟ قد تثمر جهود محمد، وتتحقق أحلامه مستقبلاً. اليوم، أهله هم المشجعين الأساسيين له وخاصة والدته التي تتابع تمريناته وتستمتع بعزفه بانتظار أن يستمع العالم إلى نغمات الدربكة على وقع أصابعه.   


المنشورات ذات الصلة

الثوب الفلسطيني: تطريز عابر للحدود يحكي قصة فلسطين

لن نحكي هنا عن الثوب الفلسطيني فحسب، بل عن قدرته على التحوّل إلى رمز، وموضة، وهوية. إنها قدرة التصميم والتطريز في إضفاء حياة على القماش، والتعبير عن موقف، وفي سرد الحكاية الفلسطيني...

  • التعاون

  • ۲۲ أيار ۲۰۲٤

حياة جديدة أمام المسنين في مخيم الجليل في بعلبك

لدى أمينة الكثير لتحتفل به الآن! مع استلامها الكرسي المتحرك، تستعد لحياة جديدة بعدما قضت ست سنوات داخل أبواب منزله...

  • التعاون

  • ۱٦ أيار ۲۰۲٤

خارج حدود المخيم: الشباب الفلسطيني في لبنان يبحث عن أحلامه ويبني مستقبله

حوّل الكثير من الشباب الفلسطيني ضيق أحوالهم وقساوة واقعهم كمنصة للانطلاق إلى عالم على اتساع طموحهم بالرغم من كثرة التحديات التي تقف أمامه...

  • التعاون

  • ۱۳ شباط ۲۰۲٤

الرعاية الطبية المنزلية للمسنين في مخيم البداوي

مع تدهور الأحوال المعيشية في لبنان تزداد التحديات التي تواجه المسنين ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية التي يعاني سكانها من فقر شديد. فانطلق مشروع توفير الحماية والخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات البداوي ونهر البارد والجلي...

  • التعاون

  • ۸ كانون الثاني ۲۰۲٤