خارج حدود المخيم: الشباب الفلسطيني في لبنان يبحث عن أحلامه ويبني مستقبله

يتميز الشباب بالحيوية التي تضج في أفكارهم، واندفاعهم، وقناعتهم بالقدرة على تغيير العالم من حولهم – على الأقل العالم المحيط بهم – ولكن للشباب الناشئ في المخيمات الفلسطينية في لبنان خصوصيتهم التي لا تشبه رحلة أي شاب لم يلتحق باسمه صفة لاجئ. فالمجتمعات التي ترعرعوا فيها لا تشبه أي مجتمع نعرفه، والديناميكية التي تحركها تختلف عن تلك في المجتمعات الأخرى. هنا، داخل المخيم، البيئة بحد ذاتها محبطة، فالإقامة المؤقتة التي تحولت إلى دائمة لم تحمل أياً من شروط الاستدامة إن من حيث البنية التحتية، أو من حيث المنازل المبنية، ولا حتى الشمس تجد طريقها إلى الزواريب الضيقة. أما صفة اللجوء فتقع عبأ على كاهل الناس الذين يفتحوا عيونهم كل يوم وهم على استعداد للعودة إلى أرضهم، فلا استطاعوا العودة، ولا استطاعوا الخروج من نفق اللجوء. من هذا الواقع، ومن هذه البيئة، يخرج يومياً شباب يحمل كماً من الأحلام، والطموح باحثين عن طريقهم في هذا العالم. 




يحتضن برنامجنا لدعم التعليم الجامعي مجموعة من هؤلاء الشباب الذين اختاروا السير وراء أحلامهم وطموحاتهم. وخارج رقعة المخيمات التي يعيشون فيها، توجهوا إلى جامعاتهم، واحتكوا مباشرة بالمجتمع الأكبر بكل ألوانه وأشكاله، وبدأوا بصقل مواهبهم وقدراتهم، وتحديد أحلامهم استعداداً لترجمتها على أرض الواقع. وهنا، تظهر إلى الواجهة الحاجة لبناء المهارات الكفيلة بمساندتهم في هذه الرحلة.


الشاب إبراهيم الذي يدرس التمريض في الجامعة الأميركية في بيروت بدعم من برنامج التعليم الجامعي في مؤسسة التعاون، في حركة دائمة بحثاً عن كل ما يمكّنه من النجاح في تخصصه، ومن دعم مشروعه الخاص "فكرة". يخبرنا إبراهيم عن فكرته "فكرة" التي هي عبارة عن منصة للتعليم أطلقها بالشراكة مع مجموعة من الشباب، ويقول، "تأتي الفرص لأولئك الباحثين عنها! فبحثي الدائم عن الفرص قادني للحصول على منحة للتعليم الجامعي، ولإطلاق منصة للتعليم، وكل هذا يستدعي الكثير من العمل، والدرس، والمتابعة، وبناء المهارات." إبراهيم هو أحد شباب مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، المخيم الذي لا تطاله الشمس في الكثير من الأحيان، ولكن إذا لم تطاله الشمس، نرسم شمساً على الجدران، يقول إبراهيم، "إنها إرادة الحياة التي نتمسك بها كي نحسّن الواقع الذي نعيشه. وهذا ما يجب ان يتمسك به كل شاب منا." 




لقاؤنا مع إبراهيم كان على هامش مشاركته في دورة تدريب على مهارات التواصل عند القادة الشباب تم تنظيمها بدعم من المساعدات الإسلامية الدنماركية وبالشراكة مع صندوق الطلاب الفلسطينيين، وأميديست. وكما يعمل إبراهيم على تعزيز مهاراته كذلك الحال بالنسبة للشابة سلام غزاوي القادمة من مخيم شاتيلا.  


تتميز سلام بشخصية قوية ومحبّبة، تحمل ابتسامتها قصصاً وأخباراً وفرحاً أيضاً ربما هو فرح الإنجاز الذي حققته لغاية اليوم كطالبة متفوقة تدرس التمريض في جامعة بيروت العربية. تقول سلام، "لقد شاركت في العديد من دورت التدريب لقناعتي بأهمية تعزيز مهاراتي للنجاح في العمل لاحقاً. ولقد ساهمت هذه الدورات بشكل كبير في بناء شخصيتي وإدراك قدراتي والعمل على تنميتها. فساعدتني دورة التدريب على مهارات التواصل على تعزيز معرفتي في كيفية التواصل مع الاخرين، وإيصال الرسائل المحددة بوضوح وشفافية، وهذا أمر أساسي في العمل لاحقاً خاصة وأن عملي يستند إلى تواصل دائم مع الناس من جهة، ومع فريق العمل من جهة ثانية."      




إنها فرصتنا للانطلاق في الحياة، وبناء مستقبل نحلم به، ونسعى لتحقيقه بكل جهد ممكن بالرغم من كل الظروف التي تحيط بنا وتحاول أن تقنعنا كل يوم بعبثية ما نسعى إليه. إنه تصميم نحمله بداخلنا للتغيير، تقول سلام، "فما أكثر الأوقات التي كنا نشك فيها بقدرتنا على الخروج من المستنقع الذي نعيش داخله، لكن ثقتي بالتغيير اليوم أقوى من قبل! فتغيير حياتي يعني تغيير حياة أسرتي أيضاً، ومجتمعي، خطوة تلو الخطوة. فنحن في نهاية المطاف سنكون ممثلين لمجتمعنا في الخارج. وسنثبت للشباب الطالع بأنهم قادرين على التغيير ورسم حياة أفضل لهم، كما سنُظهر للعالم صورة الشباب الفلسطيني المتعلم والقادر على أن يساهم في النمو والتقدّم أسوة بباقي الشباب من حول العالم. نحن سفراء لقضيتنا، وشعبنا، وسنبقى كذلك!"




زوّدت دورات التدريب على مهارات التواصل والقيادة، وعلى العمل المجتمعي، الشباب الجامعي الفلسطيني بمهارات عديدة تحضيراً لهم لدخول سوق العمل. ويتم تنظيم دورات تدريب أخرى متخصصة منها المتعلق بالمحاسبة، ومنها المتعلق بالكومبيوتر.


يستفيد من هذه الدورات أكثر من مئتي شاب وشابة بالشراكة مع كل من أميديست، وجامعة بيروت العربية، ونادي المال والأعمال.            


المنشورات ذات الصلة

الثوب الفلسطيني: تطريز عابر للحدود يحكي قصة فلسطين

لن نحكي هنا عن الثوب الفلسطيني فحسب، بل عن قدرته على التحوّل إلى رمز، وموضة، وهوية. إنها قدرة التصميم والتطريز في إضفاء حياة على القماش، والتعبير عن موقف، وفي سرد الحكاية الفلسطيني...

  • التعاون

  • ۲۲ أيار ۲۰۲٤

حياة جديدة أمام المسنين في مخيم الجليل في بعلبك

لدى أمينة الكثير لتحتفل به الآن! مع استلامها الكرسي المتحرك، تستعد لحياة جديدة بعدما قضت ست سنوات داخل أبواب منزله...

  • التعاون

  • ۱٦ أيار ۲۰۲٤

الرعاية الطبية المنزلية للمسنين في مخيم البداوي

مع تدهور الأحوال المعيشية في لبنان تزداد التحديات التي تواجه المسنين ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية التي يعاني سكانها من فقر شديد. فانطلق مشروع توفير الحماية والخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات البداوي ونهر البارد والجلي...

  • التعاون

  • ۸ كانون الثاني ۲۰۲٤

الغرافيتي في المخيّمات الفلسطينية في لبنان: الجدران تتكلم

لم تأت الفنون من فراغ، بل كانت دوماً انعكاساً لمخيلة الفنان أو تفاعلا مع محيطه. وسيلة للتعبير، بالطبع، فكيف إذا كان التعبير ممنوعاً، والرأي مقموعاً، والظلم، والقهر في قلب الإنسان...

  • التعاون

  • ۱۸ كانون الاول ۲۰۲۳