مؤسسة التعاون: بداياتها ودورها في الإغاثة والتنمية

كان خروج منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الخدماتية من لبنان في العام 1982 الشرارة الأولى التي قادت لتأسيس مؤسسة التعاون حيث أصبح الفلسطينيون حينها من دون سند، وكان لبنان في حالة من الفوضى العارمة.    


قبل العام 1982 لم يكن هناك سوى أربع أو خمس جمعيات فلسطينية مسجلة في وزارة الداخلية والبلديات في لبنان كجمعيات لبنانية، وهي جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني، والمؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني، وجمعية النجدة الاجتماعية، ومؤسسة غسان كنفاني، بالإضافة إلى الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني. ولقد شلّت حركة هذه المؤسسات بُعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان على الرغم من أن الحاجة كانت ماسّة لدعم أهل المخيمات على مختلف الصعد. وسط هذه الأحداث وبعد عام واحد فقط، أي في العام 1983، بادرت مجموعة من الشخصيات الاقتصادية والفكرية الفلسطينية والعربية إلى عقد لقاء في العاصمة البريطانية "لندن"، والتداول في فكرة انشاء مؤسسة فلسطينية قادرة على دعم الشعب الفلسطيني. من بعدها بقليل، ولدت مؤسسة التعاون في جنيف كمؤسسة أهلية غير ربحية.


المساهمة في إطلاق العمل المدني من خلال دعم تأسيس جمعيات جديدة ومساعدة الجمعيات الفاعلة القديمة.

تزامن تأسيس التعاون مع انطلاق عدة مبادرات في العام 1984 لتأسيس جمعيات جديدة من نشطاء في المجتمع المدني الفلسطيني تُعنى بمختلف جوانب الحياة لسد الفراغ الذي تركه خروج مؤسسات منظمة التحرير. ولقد اعتمدت التعاون المرحوم الدكتور يوسف صايغ ممثلاً لها في لبنان لمتابعة الاتصالات والتنسيق مع الجمعيات القائمة والناشئة. 

كان د. الصايغ يستقبل طلبات المساعدة من الجمعيات ويرسلها إلى مكتب التعاون في سويسرا مرفقة مع ملاحظاته وتوصيات للبتّ بها وتحويل المبالغ المقرّة. في تلك الفترة، دعمت التعاون الجمعيات الفاعلة في كافة المجالات خاصة رياض الأطفال، والتدريب المهني، والإغاثة.

 

دعم برامج التدريب المهني وتأسيس جمعية أهليّة للتدريب المهني

شاركت التعاون في دعم مبادرات مثل لجنة التدريب المهني التي تأسست في العام 1984 - تم تسجيلها لاحقاً في وزارة الداخلية باسم جمعية التنمية المهنية الاجتماعية - لتقديم التدريب المهني للشباب الفلسطيني المحاصر في المخيمات. فأطلقت برنامجاً مشتركاً مع الأونروا حيث أصبحت الشهادات الصادرة عنها تحمل توقيع مدير التعليم في الاونروا، والذي كان حينها شبل شبل. ونتيجة هذا التعاون، قرر مدير الأونروا آنذاك، جون ديفريتس، أن يلتحق جميع مدربي مركز الاونروا للتدريب المهني في سبلين الذي كان مهدّماً بمركز برج البراجنة التابع للجمعية من أجل مواصلة التدريب ووضع البرامج المناسبة.

كما، دعمت التعاون تأسيس مراكز تدريب مهني تابعة للجمعية في مخيمات برج البراجنة، ونهر البارد، وعين الحلوة، وموّلت باقي مراكز الجمعية. كما ساعدت على تشييد مراكز جديدة؛ فمثلا تم شراء أرض على حدود مخيم عين الحلوة لتشييد مركز للتدريب المهني عليها. هذا بالإضافة إلى تأمين التمويل اللازم لشراء التجهيزات ومواد التدريب وتغطية كافة التكاليف الجارية. تخرّج بفضل دعم التعاون مهنيين أكفّاء في مجالات مختلفة، منها تمديد الكهرباء، والكهرباء الصناعية، ولف الموتورات، والالمنيوم، والنجارة، وميكانيك السيارات، واللحام، إلخ. وسافر الكثير من الخريجين للعمل في الخارج. 


دعم صمود أهالي مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة

عانى مخيما شاتيلا وبرج البراجنة من الحصار والاشتباكات المتقطعة، فطلب النشطاء واللجان الشعبية من التعاون تأسيس وتمويل تعاونيات غذائية داخل المخيمات مستشعرين اقتراب الحرب والحصار الطويل. تجاوبت التعاون بشكل سريع فأنشأت تعاونيات غذائية في المخيمين، وأعدت مخزوناً من المواد الغذائية تداركاً للحصار. وبالفعل، استطاعت تم توزيع المواد التموينية على الأهالي المحاصرين وتأمين الغذاء إلى المرضى والجرحى في مستشفى الهلال الاحمر الفلسطيني في شاتيلا. وهكذا تضامنت التعاون وبشكل غير مسبوق مع أهالي المخيمات المحاصرة.


تمويل عمليات الإغاثة بين عامي 1985-1986 ودعم تأسيس جمعية الإغاثة

بين عامي 1985 و1986 تعرّضت ثلاث مخيمات للاعتداء والحصار بما سُمىّ لاحقاً بحرب المخيمات. أدّت هذه الحرب الى تدمير المخيمات جزئياً أو كلياً. وكانت مخيمات بيروت وخاصة مخيم شاتيلا الأكثر تأثراً حيث دُمر بشكل شبه كامل. هذا فضلاً عن سقوط عددٍ كبير من الضحايا. ونتج عن حرب المخيمات عددٌ كبير من المهجرين الذين تركوا المخيمات نتيجة الحصار هرباً من الاعتداءات خاصة وأن مجازر العام 1982 كانت لا زالت حاضرة في ذاكرتهم.

تداعى ناشطون من المجتمع المدني الفلسطيني، ومن بينهم المرحوم نبيل بدران الذي لعب دوراً مهماً آنذاك بتشكيل ما عُرف لاحقاً باسم "المساعدات الفلسطينية للإغاثة والتنمية"، والتي بدأت بإحصاء العائلات المهجرة وتوزيع الاعداد والاحتياجات على المؤسسات الدولية الداعمة، كما قامت بتوزيع المساعدات على اللاجئين الذين هجروا من المخيمات ولجأوا الى مناطق آمنة وسكنوا في ملاجئ أبنية قيد الانشاء في محيط السفارة الروسية في بيروت. هنا تجاوبت التعاون، وبسرعة، لنداءات النشطاء وتم تحويل الأموال فوراً لتقديم المساعدات الطارئة ريثما تتحرك المؤسسات الدولية والجمعيات الاجنبية لتقديم المساعدات الإغاثية. فتم توزيع مواد غذائية، وأساسية مثل البطانيات والأفرشة. كما تم تأمين المياه المستلزمات الصحية الضرورية. هذا فضلاً عن تجهيز الملاجئ لكي تصبح صالحة للسكن من تركيب أجهزه تهوية وغيرها.


التشبيك مع الجمعيات واللجان الشعبية لتقييم احتياجات ما بعد حرب المخيمات ووضع خطة/ استراتيجية: مؤتمر بافوس- قبرص، 1986

في العام 1986، نظمت مؤسسة التعاون اجتماعاً لشركائها من الجمعيات واللجان الشعبية في مدينة بافوس القبرصية حضره عن التعاون الدكتور جورج العبد، والدكتور خليل نخلة. كان اجتماعاً مؤثراً بعد الفترة العصيبة التي عاشها اللاجئون في لبنان، فعرض جميع المشاركين الاحتياجات الاغاثية والتنموية للمخيمات، ووضعت خطة مشتركة لمواجهة الواقع الصعب. وكان هذا المؤتمر بداية إنشاء شبكة من الشركاء الفاعلين في لبنان. عملت التعاون بعدها وبشكل مستمر على تشجيع التشبيك بين الشركاء وخاصة التشبيك القطاعي لاسيما في مجال الطفولة المبكّرة. كانت هذه الخطوة بداية تأسيس شراكاتٍ حقيقية مبنية على التفاعل والتفاهم المشترك ووضع الخطط المشتركة.


تأسيس ودعم جمعية للرعاية الصحية

بادرت التعاون في العام 1995 إلى تأسيس جمعية الرعاية الصحية التي تعنى بالجانب الصحي للاجئين. وقد أسست الجمعية وبتمويل من المرحوم حسين الطبري وحدة غسيل الكلى في مستشفى الهمشري في صيدا التي لا زالت تعمل حتى يومنا هذا. وقد لعب المرحوم فكتور قشقوش، وكان مدير التعاون حينها، دوراً فاعلا في تأسيس الجمعية وتمويل نشاطاتها.


بداية مأسسة التعاون في لبنان


انطلقت عملية مأسسة التعاون من خلال تشكيل لجنة من شخصيات فلسطينية وبعض الفاعلين، ضمت الى جانب الدكتور يوسف الصايغ كلاً من المرحوم الدكتور صلاح الدباغ، والمرحوم الدكتور محمد يوسف نجم، والمرحوم الدكتور سميح العلمي، ووفاء اليسير. وكانت اللجنة تجتمع دورياً في مكتب الدكتور يوسف الصايغ لدراسة المشاريع والبت بها وإرسالها مع التوصيات إلى مكتب التعاون في جنيف. بعد فترة، تم توظيف الدكتور باسم سرحان كمساعد للدكتور يوسف صايغ وتشكلت لجنة جديدة انضم إليها السيدان فؤاد بوارشي، وفيصل العلمي. واستخدم مكتب المرحوم عبد المحسن قطان، أحد الأعضاء المؤسسين، في مبنى ستراند في شارع الحمرا. ومن ثم تم تعيين ليلى زخريا كمديرة خلفاً للدكتور سرحان، واستؤجر مكتب خاص للتعاون مستقل وعين موظفون. ويمكن القول بأنه بداية العام 2000 بدأت عملية مأسسة التعاون فعلياً ووضع استراتيجية قصيرة وبعيدة الأجل واعتماد معايير الإفصاح والشفافية والايزو العالمية، وتم بناء عليه تسجيل الجمعية في لبنان كفرع لجمعية أجنبية مسجلة في سويسرا وذلك بتاريخ 24 آب 2010.  

لا شك أن التعاون في لبنان غطت فجوة كبيرة ولبّت حاجة عميقة في الوسط الفلسطيني منذ تأسيسها. وكان للدور الذي لعبته في دعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قيمة معنوية كبيرة خاصة أنه جاء من مؤسسة فلسطينية داعمة. 


أربعون عاماً مضت والعمل ما يزال مستمراً ومسيرة التعاون من أجل فلسطين متواصلة.   

المنشورات ذات الصلة

الثوب الفلسطيني: تطريز عابر للحدود يحكي قصة فلسطين

لن نحكي هنا عن الثوب الفلسطيني فحسب، بل عن قدرته على التحوّل إلى رمز، وموضة، وهوية. إنها قدرة التصميم والتطريز في إضفاء حياة على القماش، والتعبير عن موقف، وفي سرد الحكاية الفلسطيني...

  • التعاون

  • ۲۲ أيار ۲۰۲٤

حياة جديدة أمام المسنين في مخيم الجليل في بعلبك

لدى أمينة الكثير لتحتفل به الآن! مع استلامها الكرسي المتحرك، تستعد لحياة جديدة بعدما قضت ست سنوات داخل أبواب منزله...

  • التعاون

  • ۱٦ أيار ۲۰۲٤

خارج حدود المخيم: الشباب الفلسطيني في لبنان يبحث عن أحلامه ويبني مستقبله

حوّل الكثير من الشباب الفلسطيني ضيق أحوالهم وقساوة واقعهم كمنصة للانطلاق إلى عالم على اتساع طموحهم بالرغم من كثرة التحديات التي تقف أمامه...

  • التعاون

  • ۱۳ شباط ۲۰۲٤

الرعاية الطبية المنزلية للمسنين في مخيم البداوي

مع تدهور الأحوال المعيشية في لبنان تزداد التحديات التي تواجه المسنين ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية التي يعاني سكانها من فقر شديد. فانطلق مشروع توفير الحماية والخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات البداوي ونهر البارد والجلي...

  • التعاون

  • ۸ كانون الثاني ۲۰۲٤