الغرافيتي في المخيّمات الفلسطينية في لبنان: الجدران تتكلم

كان الغرافيتي فناً تحررياً في نشأته من كل ما يحكم الفنون من أسس وقواعد وشروط، وطلقة فنية نارية للتعبير والتغيير. فلا عجب بأن تكون بداياته من الجدران في الشوارع.


يُطلق على الغرافيتي اسم "الفن المقاوم" أو "فن الثورة"، من هنا ندرك سبب انتشاره في المخيمات الفلسطينية في فلسطين وفي لبنان حيث اتخذه الفلسطينيون وسيلة من وسائل المقاومة الفكرية والتعبير عن قضيتهم. وساعدت الرمزية التي يحملها ولاسيما عبر بعض الصور على تغذية قضية، ومخيلة جماعية، وترسيخ هوية، وتوثيق رحلة نضال. لذا كان الغرافيتي دوماً مثيراً لاستفزاز الإسرائيليين الذين يرونه صورة معبّرة عن احتلالهم أرض فلسطين، وقمعهم شعبها.    




 

شكلت خارطة فلسطين، والأسلاك الشائكة، وقبة الصخرة، والكوفية الفلسطينية، وحنظلة، أبرز عناصر فن الغرافيتي الفلسطيني. وحين تم منع رفع علم فلسطين، كانت رسمة البطيخ فعل مقاومة آنذاك فانتشرت بديلاً عن العلم. وعادت وانتشرت اليوم بالتوازي مع العدوان الاسرائيلي على غزة. وحين أقامت سلطات الاحتلال جدار الفصل العنصري بين الضفة الغربية والقدس المحتلة تحوّل الجدار إلى مساحة للتعبير عن رفضهم للجدار والاحتلال. وشارك حينها فنانون من فلسطين والعالم برسم الجداريات.  

 

يُعتبر بانكسي، أحد أشهر رسامي الغرافيتي في العالم. الفنان الذي لا يَعرف أحدٌ شكله أو اسمه الحقيقي. وهو أحد أشهر الفنانين الذين دعموا القضية الفلسطينية برسوماتهم حيث زار فلسطين وقطاع غزة ورسم مجموعة من أشهر رسوماته. يقول بانكسي، "إن الجدار سلاح كبير جداً. وأحد أبشع الأدوات التي تضرب بها شخصاً ما."

 




فن الغرافيتي في المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس رسومات فحسب بل هو أحد وسائل البقاء على قيد الحياة بالنسبة للفلسطينيين، "فبدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان"، كما يقول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش. لذلك، ومع البُعد القسري عن أرضهم وبيوتهم وقراهم من الطبيعي أن نجد رسومات الغرافيتي منتشرة بكثرة في كل المخيمات الفلسطينية في لبنان. فمن خلاله ترافقهم خارطة فلسطين، وفي بعض الرسومات تترافق هذه الخارطة مع أسماء القرى خاصة حين نعرف أن كل مخيم يجمع أبناء قرى محددة، فحملت شوارع المخيم أسماء قراهم، وحفرت الرسومات هذه الأسماء أيضاً. وهناك شخصيات من الذاكرة تعيش أبداً على الجدران منها شخصيات سياسية ومنها شخصيات من أعلام الفكر والأدب مثل غسان كنفاني، ومحمود درويش. وهناك الرسومات التي تشبه الحدائق داخل الأحياء الضيقة المظلمة التي تعطي إحساساً بالفرح واللون والضوء والحياة ولا سيما في المخيمات ذات الأحياء الضيقة والمعتمة مثل مخيمي برج البراجنة وشاتيلا في بيروت. تساعد هذه الرسومات على الجدران من دون شك في بث طاقة من الأمل تخفّف من ثقل حياتهم، أو على الأقل توحي لهم بأنهم يعيشون في مكان طبيعي فيه الزهور، والأشجار، والحدائق الملوّنة.      



 

يشكّل الغرافيتي أحد أشكال المقاومة عند الشعب الفلسطيني، وأحد أشكال الحفاظ على الهوية، والذاكرة. كان يُعتبر ذات يوم نوعاً من التخريب إلى أن تم الاعتراف به كفن قائم بحد ذاته على أمل أن يصل الشعب الفلسطيني إلى يوم يتم الاعتراف فيه بحقه في أرضه.  




 

المنشورات ذات الصلة

الثوب الفلسطيني: تطريز عابر للحدود يحكي قصة فلسطين

لن نحكي هنا عن الثوب الفلسطيني فحسب، بل عن قدرته على التحوّل إلى رمز، وموضة، وهوية. إنها قدرة التصميم والتطريز في إضفاء حياة على القماش، والتعبير عن موقف، وفي سرد الحكاية الفلسطيني...

  • التعاون

  • ۲۲ أيار ۲۰۲٤

حياة جديدة أمام المسنين في مخيم الجليل في بعلبك

لدى أمينة الكثير لتحتفل به الآن! مع استلامها الكرسي المتحرك، تستعد لحياة جديدة بعدما قضت ست سنوات داخل أبواب منزله...

  • التعاون

  • ۱٦ أيار ۲۰۲٤

خارج حدود المخيم: الشباب الفلسطيني في لبنان يبحث عن أحلامه ويبني مستقبله

حوّل الكثير من الشباب الفلسطيني ضيق أحوالهم وقساوة واقعهم كمنصة للانطلاق إلى عالم على اتساع طموحهم بالرغم من كثرة التحديات التي تقف أمامه...

  • التعاون

  • ۱۳ شباط ۲۰۲٤

الرعاية الطبية المنزلية للمسنين في مخيم البداوي

مع تدهور الأحوال المعيشية في لبنان تزداد التحديات التي تواجه المسنين ولاسيما داخل المخيمات الفلسطينية التي يعاني سكانها من فقر شديد. فانطلق مشروع توفير الحماية والخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات البداوي ونهر البارد والجلي...

  • التعاون

  • ۸ كانون الثاني ۲۰۲٤